أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمـــات، بالضغط هنا.كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.
كانت معركة اليرموك بابا انفتح بانفتاحه الطريق إلى بلاد الروم، كما كانت القادسية بالنسبة لبلاد الفرس، فكلتا المعركتين شجعتا المسلمين على الاستمرار في الفتح والغزو وقد تم النصر في المعركتين في عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- فقد سبق القضاء بوفاة الخليفة أبي بكر – رضي الله عنه - قبل أن يحرز المسلمون النصر في معركة اليرموك وحمل البريد في ذهابه أسوأ نبأ سمعه المسلمون بعد وفاة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ألا وهو نبأ وفاة أبي بكر، كما حمل في إيابه نبأ عزى المسلمين في مصابهم، وسلاهم عن وفاة خليفتهم، ذلكم هو نبأ انتصار المسلمين في اليرموك.
إن اليرموك حسنة في ميزان الخليفة الأول، فهو الذي عبأ لها، وهو الذي أمد جندها بالقائد المظفر، عبقري الحرب، خالد بن الوليد، فكيف لا يفرح المسلمون بالانتصار فيها؟ وكيف لا يتسلون بأنبائها عن وفاة الخليفة وهي ثمرة جهده، وثقل في ميزانه؟
وعاد البريد يحمل إلى الخليفة الثاني أنباء النصر، ففرح الخليفة به، وترضى عن أبي بكر، وحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، وأقر الأمراء الذين ولاهم أبو بكر على ما كانوا عليه في عهد سلفه الراحل، واستثنى منهم أميرين: أما الأول فخالد بن الوليد فقد عزله الخليفة عن إمرة الجيش، وضمه إلى أبي عبيدة عامر بن الجراح بعد أن أسند إليه قيادة جيوش الروم، وأما الثاني فعمروا بن العاص وقد أمره الخليفة أن يعين الناس حتى إذا انتهوا من فتح دمشق وفحل تولى أمر الحرب في فلسطين.
آل أمر جيوش الشام إلى قيادة أبي عبيدة، فأخبر أبو عبيدة خالدا بما أحدث أمير المؤمنين بعد انتهاء خالد من فتح دمشق، فقال خالد: يرحمك الله! ما منعك أن تعلمني حين جاءك؟ فقال أبو عبيدة: كرهت أن أكسر عليك حربك، وما سلطان الدنيا أريد، ولا للدنيا أعمل، وما ترى سيصير إلى زوال وانقطاع، وإنما نحن أخوان وما يضر الرجل أن يليه أخوة في دينه ودنياه [1].
عزم أبو عبيدة –رضي الله عنه- على مواصلة الزحف على بلاد الروم، ولكنه تردد، ولم يدر بماذا يبدأ؟ أيتوجه إلى دمشق؟ وحينئذ يكون قد ترك خلفه بفحل جيشا لجبا للروم يقدر بثمانين ألف مقاتل لا يأمن أن يبغته من ورائه.
أم يتوجه إلى فحل، فهو يخشى أن يتجمع الروم بدمشق، ويقوي أمرهم، ولا يستطيع المسلمون فتحها إلا بجهد ومشقة وشدة، وحينئذ قطع هذا التردد، وأرسل إلى الخليفة يستشيره بأيهما يبدأ. ورد عليه الخليفة قائلا: أما بعد، فابدؤوا بدمشق، فانهدوا لها، فإنها حصن الشام وبيت مملكتهم، واشغلوا عنكم أهل فحل بخيل تمون بازائهم في نحورهم، وأهل فلسطين وأهل حمص، فإن فتحها الله قبل دمشق فذاك الذي نحب، وإن تأخر فتحها حتى يفتح الله دمشق فلينزل في دمشق من يمسك بها ودعوها، وانطلق أنت وسائر الأمراء حتى تغيروا على فحل، فإن فتح الله عليكم فانصرف أنت وخالد إلى حمص، ودع شرحبيل وعمرا وأخلهما بالأردن وفلسطين [2].
فتح دمشق:
بهذا الرد أنهى الخليفة تردد القائد، وأمن مخاوفه، حيث أمره يبدأ بدمشق لأنها عاصمة البلاد، وسقوط العاصمة يؤدي دائما إلى ضعف المقاومة في الأطراف وكثيرا ما تكون المقاومة بعد سقوط العاصمة من أجل الحصول على الأمان، أما استرداد العاصمة، أو إعادة مكانتها إليها فقلما يخطر ذلك على بال المقاومين، وإن حصل ذلك أحيانا فإنما يكون رمية من رام لظروف طرأت فغيرت مجرى الأوضاع. وأمن الخليفة خوف القائد مما يجد فحل حين أمره بإرسال خيل تقف بازائهم فتشغلهم بأنفسهم عن التفكير في مباغته المسلمين، ولم ينس الخليفة أهل حمص وأهل فلسطين وما بين أهل دمشق من علاقات تفرض عليهم مساعدة الدمشقيين فذكر القائد بذلك حتى لا يؤتي من قبل ما لا يتوقع.
وصدع القائد بأمر الخليفة وعبأ جيشه، وتوجه به نحو دمشق، وقبل أن ينطلق بجيشه أرسل إلى فحل عشرة قواد، ومعهم جيش عظيم، وأمر عليهم عمارة بن مخشى الصحابي ووجه جيشا بقيادة علقمة بن حكيم ومسروق العكي ليشغل أهل فلسطين عن مساعدة دمشق، وبعث ذا الكلاع في جيش ليحول بين أهل حمص وإمدادهم لأهل دمشق.
واطمأن أبو عبيدة للخطة، فلم يعد هناك ما يشغله، ولا يهدد أمن الجيوش الزاحفة نحو دمشق، إن تلك الخطة قد قطعت كل أمل في مساعدة الدمشقيين، ولا شك أنهم سيقفون وحدهم في مواجهة المسلمين، وحينئذ لن يعجز المسلمين أمرهم وستكون الدائرة عليهم.
لقد كانت فحل مصدر خطر عظيم حيث يعسكر فيها جيش قوامه ثمانون ألفا مدججون بالسلاح والعتاد، وهم على استعداد لنجدة قوات دمشق إذا اقتضى الأمر، ولكن عمارة بن مخشى وجيشه قد فاجئوا الجيش المدل بعدته وعتاده فسقط في يد الروم، وبثقوا المياه فأوحلت الأرض راجين أن يحول ذلك بينهم وبين الجيش الذي قدم لمحاصرتهم، واغتم المسلمون لتلك المكيدة الخبيثة ولم يدر قط بخلدهم أن الله –غز وجل- قد قضى أن يكون ذلك من أعظم أسباب نصرهم، ورابط الجيش في مكانه محاصرا جيش الروم بفحل من أرض الأردن.
وكذلك كانت حمص مركزا رئيسيا لقوات الروم، وكان هرقل قد فر إليها بعد اليرموك حين علم بأن قوات المسلمين يستعدون لغزو دمشق، ولما حاصر المسلمون دمشق استغاث أهلها بهرقل، واستمدوه، ولم يخيب هرقل أملهم فيه، فأمدهم بجيش على خيل ليضمن وصول المدد في أسرع وقت، ولكن ذا الكلاع وجيشه قد رصدوا تحركاتهم، ووقفوا في وجه المدد، وحالوا بينه وبين الوصول إلى دمشق، فلم يتمكن المدد من الوصول، وظل أهل دمشق تحت رحمة جيش المسلمين.
توجه أبو عبيدة بجيشه نحو دمشق، وكان الأمير يزيد بن أبي سفيان، فجعل خالدا على القلب، وأبا عبيدة وعمرا على المجنبتين، عياض بن غنم على الخيل، شرحبيل بن حسنة على الرجالة، فلما نزلوا الغوطة وجدوا دورها وبساتينها خاوية على عروشها، ليس بها ديار ولا نافخ نار، لقد فر القوم إلى دمشق ليحتموا بأسوارها المنيعة وحصونها الشامخة، فنزل المسلمون بها وسكنوا دورها واستمتعوا بخيرات بساتينها، وكان ذلك عونا لهم على محاصرة المدينة العتيدة.
كانت أسوار دمشق ترتفع في الهواء ستة أمتار أو تزيد، وكان عرضها ثلاثة أمتار بل تزيد وأما حصونها فكانت شاهقة شامخة كثيرة الشرفات، وكان لأسوارها أبواب ضخمة ترد من يريدها بسوء،وأحيطت تلك الأسوار بخندق عرضه ثلاثة أمتار، تملؤه مياه بردى لتحمي المدينة من المهاجرين أو على الأقل تعوق مسيرتهم حتى يستعد حراس الأسوار للقاء الغزاة.
ورغم كل ذلك أصر أبو عبيدة على محاصرة دمشق، وتقدم الجيش الظافر إلى دمشق، وكانت نشوة النصر في اليرموك لا تزال تهزه وتدفعه لطلب المزيد من النصر واشتغل القائد العظيم طرب الناس بنشوة النصر، كما استعان بشوقهم إلى رؤية دمشق التي كثيرا ما سمعوا عنها ما يشجعهم على التضحية لفتحها، وأصدر أبو عبيدة أمره بمحاصرة المدينة، وعين لكل فريق بابا من أبوابها الكثيرة المنتشرة في سورها الحصين.
محاصرة دمشق:
نزل أبو عبيدة على باب الجابية، ونزل عمرو بن العاص على باب توماء، ونزل شرحبيل بن حسنة على باب الفراديس، ونزل يزيد بن أبي سفيان على باب كيسان، ونزل خالد بن الوليد على بابها الشرقي [3].
وعلم المسلمون أن الحصار سيطول، وبخاصة أن زمن الشتاء قد اقترب والبرد هناك يمزق الجلود، ويقطع الأوصال، وكان جيش الروم المحاصر في داخل العاصمة يعتمد على بردها القارص، وطقسها الذي لا يتحمله سكان جزيرة العرب الشديدة الحرارة، ولهذا ظل جيش دمشق معتصما بها رغم خيبة أمله في وصول إمدادات هرقل إليه، إن قادة الجيش وإن خاب أملهم في هرقل فلن يخيب في برد الشتاء ورده لهؤلاء الأعداء، فكم حاصر المدينة معتدون وكان الشتاء وحده كفيلا بطردهم وردهم على أعقابهم.
استعد المسلمون لذلك كله فنصبوا المناجيق، وأعدوا الدبابات، فأما طول الحصار فلهم في بساتين الغوطة وأنهارها ما يكفل لهم حياة رغدة هنيئة، وأما شدة البرد فقد هيئوا أنفسهم بالصبر وقوة التحمل، وأما مناعة العاصمة فإن تشديد الحصار وتضييق الخنادق جديران بتحطيم معنويات المتحصنين بها، ولهم بعد ذلك وفوق ذلك كله تأييد الله –عز وجل- ونصره فما لهم لا يصبرون؟
بدأ المسلمون يهاجمون دمشق، ويضربونها بالمناجيق، ويقتربون من أسوارها بالدبابات، ولكن ذلك لم يغن شيئا، واستطاع جيش الروم أن يصبر لذلك ويرد هجمات المسلمين، ولكنه يخش الخروج إليهم، فلا تزال النهاية المؤلمة في معركة اليرموك عالقة بأذهانهم، وطال الحصار فعلا حتى بلغ ستة أشهر عند بعض المؤرخين، وانتهى فصل الشتاء، وخاب الأمل الوحيد الذي كانوا لا يشكون في عونه لهم، ووقوفه إلى جوارهم.
وبدأ أهل دمشق يطلبون الصلح على لسان أسقف منهم [4]، وأجابهم المسلمون على أن يكون للمسلمين نصف ما بأيدي الروم من الأموال والأملاك، ولكن الروم ترددوا وأبوا [5].